ألتجسيم في المدرستين؛ بين مقايس ألسّماء و الأرض!؟
يعتقد بعض علماء الطائفتين (السُّنية) و (آلشّيعية) بأنّ الله سبحانه و تعالى يتصّف بمواصفات جسمية خاصّة, و الحقّ أنّ علماء السُّنة الذين قالوا بآلتجسيم بكون لله تعالى له جسم و يدٍ و عينٍ و رجلٍ و رأسٍ و حاجات كآلكرسي و السكن؛ فأنّهم كانواعلى خطأ كبير من حيث لم يُبينوا الغايات و آلكيفيات و القياسات و المواصفات التي عناها الباري تعالى في كتابه العزيز بكونها – أي المجسمات - لا تخضع للمقاسات و الأبعاد الأرضية!
فحين قال تعالى على سبيل المثال: (يد الله فوق أيديهم ...) أو قوله: (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقتُ بيديَّ ...)(1) أو ما شابه ذلك من آلآيات ألتشبيهية لبيان عظمة الله, إنما كانت تعبيراً عن قدرة الله بمقايس سماوية عليا, هذا ناهيك عن الأشارات اللطيفة بكونها أمثلة تقريبية تجسيمية لتتناسب مع فهم و وعي البشر المحدود للتعبير عن قدرة الله و جبروته و هيمنته على الأعداء و المخالفين و الطواغيت!
أمّا بعض علماء (الشّيعة) كآلملا صدرا .. فأنه حين أشار للجسمية الألهية في مباحثه و ذكرها الكافي؛ فأنه قيّد الجسميّة بآلأبعاد الكونيّة و البرزخيّة لا آلأرضيّة ألبشرية كما يعتقد البعض للأسف, و هذا هو الفرق بين فهم المدرستين لعقيدة التجسيم و بين فهم بعض علماء الشيعة أو السنة لآراء الملا صدرا الفلسفية الكونية التي لم يرتقي لمعالمها إلا القليل من العلماء ناهيك عن العوام بآلمناسبة!
و لذلك فأنّ آية الله السّيد كمال الحيدري مثلاً, حين إتهم الملا صدرا بكونه قال بـ (آلتجسيم)(2) قد فهم خطأً غاية الفيلوسف العظيم الملا صدرا بشأن الله تعالى و التجسيم .. و لم يُبيّن السيد الحيدري حفظه الله شكل التجسيم و آلقوانين التي عناها المُلّا صدرا بوضوح, بل إقتصر السيد الحيدري في إشارته لذلك من دون توضيح الغاية و بيانها, و آلأكثر من ذلك قرنه بتجسيم إبن تيمية و أشباهه في مدرسة الخلفاء, و هذا هو الخطأ و الأشكال الكبير الذي وقع فيه السيد الحيدري و بعض العلماء, و كان عليهم أن يبيّنوا للناس الحقيقة كاملةً ليقفوا على عقائد علماء المدرستين و غاياتهم و القصد من التجسيم في كل منهما!
فآلجيمع يعلم بأنّ الله تعالى أشار في كتابه العزيز إلى الفوارق الكبيرة بين قوانين و مكونات الحياة الدنيا و بين قوانين و مكونات الحياة الأخروية, و منها قوانين الزمن و قياساته, بمعنى القياس الزمني و فرقه عن القياس الأرضي, حين قال تعالى على سبيل المثال: (و إن يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون)(3), فجنس الزمن هو واحد, لكن قياسه و أبعاده تختلف تماماً!
و التجسيم (المادي) ضمن مواصفات ألهية أخرى تختلف عن المواصفات (المادية) الأرضية و كما أكدها الملا صدرا و إلا كيف يبين لنا الباري حقيقة الموجودات بغير السنخيات والمكونات!
و لا يعرف حقيقة تلك المواصفات إلا العلماء العرفاء و الراسخون في العلم .. فأنّها مثل الزمن الأرضي و الزمن البرزخي(السماوي), فآلملاحظ أن كلاهما يختصّ بآلزمان وتقسيماته لكن زمان الأرض و قياساته و سنخيته تختلف تماماً عن سنخيّة و ماهية زمان البرزخ و السماء, و هكذا بقية المكونات و المخلوقات كآلجن و الأنس في العالمين!
و إلّا كيف يُمكن أن يكون يوماً سماوياً واحداً يعادل ألف سنة ممّا نعدّ في الأرض و كما ورد في القرآن الكريم !؟
و هكذا بقية النعم و المخلوقات و المكونات و كيفيتها و قوانيها و إختلافها مع الأبعاد و القياسات ألبرخية و آلسماوية رغم كونهما من جنس واحد لكن بسنخية و ماهية مختلفة تماماً!
لا يمكن لأيّ إنسان أن يتصوّر أو يدرك فوارق هذين الزمنين ومكوناتها أبداً ما لم يتبحر في علم (الكوانتوم) و هو علم جديد لم يدخل ضمن الجامعات الأكاديمية العادية بعد, لأنها بحاجة إلى مناهج و أطر خاصة تختلف عن مجمل القوانين العلمية التي كانت سائدة في عالمنا حتى اليوم!
إن القياسات و الأبعاد و المعادلات الأرضية تختلف عن القياسات و المعادلات ألسّماوية كما بيّنا, لذا يرجى من السادة العلماء الأنتباه إلى هذه المسألة الهامة, و إن المُلّا صدرا حين قال بجسمانية الله لم يقصد الجمسانية الأرضية التي قالها إبن تيمية و اقرانه الذين قالوا بأن لله طول و عرض و إرتفاع و كثافة كما هو الحال في الأرض, بل عنى الفيلسوف الملا صدرا الشيرازي بذلك ماهية الذات الألهية و مكوناتها التي نجهلها تماماً و الله وحده هو الأعلم بحقائق الأمور!
خلاصة الكلام إن القياسات الكونية تختلف عما يتصوره العلماء الأرضيون وكما بيّن بعض ملامحها فيزياء الكَوانتوم لأنها خارج عقولنا و مداركنا المحدودة هناك أبعاد أخرى ترتبط بآلموجودات نحن لا نعرف عنها سوى الطول و العرص و الأرتفاع و الكثافة و عامل الزمن الذي أضافه آينشتاين و للآن لا نعرف كيف نربط عملياً بين تلك الأبعاد و بعد الزمن .. هذا ناهيك عن الأبعاد الكوانتونومية الأخرى و مكونات الوجود التي لا نعرف كينونتها و حركتها و إنسجام ديمومتها مع باقي مكونات الوجود و بقائها و فنائها بآلضبط للآن, و أنّ الراسخون في العلم وحدهم من يفهمون ما أقصد و لا حول ولا قوة إلا بآلله العلي العظيم!
عزيز الخزرجي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة ص / 75.
http://youtu.be/IDUON4zDkvo (2)
(3) سورة الحج / 47.