|
|
إشعارهم ،منتدياتهم ،أهازيجهم،سجالاتهم ،عواطفهم ،حتى نكاتهم سممتلئه بالحزن حتى صار الحزن جزء حيوي من صفات شخصية الإنسان العراقي ....يأكل بهم عبر الزمن بصوره متتالية دون رحمه أو رئفه ..يطبق بصمت رهيب على أرواحنا ويزحف على عيوننا..فيجعلها مستكينة بالوحشة هائمة في بحر من اليأس الجارف والقنوط اللامعقول ..بل أحيانا كثيرة يتحول الحزن إلى ..نشوة.. أنها اللذة العجيبة التي تسكن الروح.
العقل لا ينفك يناجي الصمت والحزن معا وكأنهما توأمان متماثلان يسكبان الدموع مدرارا..على ظلم قديم متجذر بباطن أرواحنا ويمر بمراحل حياتنا تباعا منذ كلكامش ومسيرة بحثه عن سر الخلود من اجل صديقه انكيدو .. تلك هي أول أساطير الحزن والدموع مرورا بكل السلالات حتى يومنا هذا... ومن مراحلها المجيدة.. كربلاء..ومحنة ال بيت النبي المصطفى ومقدار الظلم والألم الذي يسير معنا من جيل إلى جيل انه الحزن النقي والبكاء الذي يحبه الله ومراحل بعد مراحل تمر علينا فيضانات هائلة ومدمرة تهلك الزرع والضرع وطاعون يفني نصف العراق واحتلال يعقبه احتلال وشباب تموت وتولد شباب لتموت ..والحزن يؤطر ثنايا روح العراقي الممتلئ أصالة وتعلق بتراب وطنه رغم الحزن والدموع والبؤس.
قد يتسأل الكثير منا ويستطرد بوصف حال الحزن الذي يفضي إلى الدموع ... ويقول هل ترى جمال الدمعة ونقائها هل تتبعت صيرورتها وهل أحسست بمجراها وتشعبات مساراتها وهل رأيت الأخاديد التي تسمرت في وجنات العراقيين الحزانى .. هل شاهدت ذلك في بلدي الذي اسميه استعارة مملكة الحزن الأبدي أو مملكة البكاء النقي اجل يا بلدي فيك الحزن والبكاء في أروع أحواله وازداد الطلب عليه منذ قرون بعيدة حتى توسعت متاجر الحزن والمعروض فيها ما يشفي الغليل ويسد الحاجة اذا ما أخذنا بالاعتبار الحزن المستورد ...... اجل أنا اعلم يا بلدي إن قضمة حزن صغيرة قد تسكب على أثرها دمعة وان في سوق الحزن حركة نشطة واسعة والإقبال على الحزن لاقتنائه وتخزينه شديد...... لكننا نتسأل عن الدموع فقط حتى تطمئن النفس أكثر وتنام قريرة العين متوهجة الحزن .بيد إننا نعلم إن الحزن نتيجة وجدانيه وان الدموع نتيجة النتيجة...فهنالك الكثير من الدموع منها ماهو ممزوج بالسخونة وهو البكاء السومري ...وهنالك النشيج بلا دموع وهو البكاء البدوي اما الدموع المرافقة للنحيب باستمرار فتلك هي الدموع الكربلائية ... انها الدموع التي توقظ الذات وتطحنها طحنا وتجعلك تعيش في عالم اللاماديات ..بل تعيش في عالم الغيب ولو للحظات..انها دموع ابية تعشق خالقها بكل ما تملك وانها البكاء القادم للامام والينبوع الدائم الذي لا ينضب ..كل هذا جعلنا نرسم خارطة في النفس لامرئية نسميها خريطة الحزن العراقي ....فقلنا للحزن قلب اسمه العراق وله عينان اسمهما الرافدين وجسد اسمه ارض السواد بقى وسيبقى اثرهما الى نهاية التاريخ.
اذا عدنا الى التاريخ نراه مكتظا بالظلم والحزن والاهات والموت والاستلاب وانتزاع الارواح دون وجه حق ..فما عسانا ان نفعل هل نقف عند محرابه لقرأة تراتيله والتسامر معه ونحن نعرف كيف كدر ماءه ..وكيف تحول بمقتضى السياسة والمال والجاه الى نصف اكذوبه..ها نحن نفرق فيه ومنه نرث الحزن ونورثه حتى امتلئت العقول والحناجر وفاضت الاهات والاحزان وتكدست في المدن والوديان والجبال والسهول والاهوار وارتفعت الى السماء حزينة مظلومة ....تاريخ منذ الازل براكين الحزن فيه ناشطه ساخنه واديم الارض تستقبل دموع السماء بلا هواده فالارض رفيق دائم للحزن تتوضأ به وتتفيأمن الاهات والالام وقطرات المطر بلا توقف ليس من اجل الخصب والنماء بل من اجل ان تدفع الدم نحو اعماق الارض
والان جموع من الغربان جامحة تلوك في مناقيرها الموت والظلم والقهر وشظايا الدم المتعثر بلا جدوى نعيقها يترامى منه دم وخناجر معقوفه شطفت بالسم النقاع ... الان في بلدي امراء للاحزان انهم الحزن بعينه والحزن لاينكفيء طالما الامير حارسه وطالما امير المؤمنين في جحور افغانستان راض عنه ووقع له فرمان الموت والاستباحه مع واسع الصلاحيات فالامير في بلدي لايخاف من شيء فهو لايعرف الرب وان ادعى غير ذلك ولايعرف الحياة وهو يعيش بلا قلب ومع ذلك يصيح بصوت مرتجف كيف لي ان ابسط حزني وخوفي على الجميع كيف لي ان اقتل المستقبل بفتوى صلبه كيف لي ان اطفيء جذوة مايسمونه الفرح العراقي وان اسبقهم بالحزن دائما بخطوة الى الامام تلك هي الاسئلة التي اريد لها جواب ...وينخسه عقله المريض الجميع يحميك ويزيد من دفق الموت عندك وبها ترسم الموت والحزن على وجه اهل العراق.....الحروب، الجوع ،الفقر واعتمد كل الاعتماد على تحوير وتزوير كلام الرب حسبما تقتضي دوافعك وحاجاتك ..فلا تخف وثق بادواتك ثق بهن دون خوف او شك ... اما اين ستجد ذلك فأنه ليس بعيدا عنك فابحث عن من يمتهن الدين ويجعله حرفة فقط وبعض من يمتلك المال اللامشروع وابحث عن ذوي الجهل المدقع واصحاب الافكار الشيطانية واخرون ابحث عنهم ستجدهم في بروج عاليه مشيدة بالذهب وتجدهم في ازقة صغيره وحقيرة ستجدهم اينما حللت واينما سكنت .....اما نحن ياشعبي الصابر المحتسب ليس لنا سوى الصبر الجميل والتمسك بقدرة الخالق والتوجه والتقاط بؤر النور المضيئه بوجدان الحياة والجمال والحب |
- التعليقات: 0
|
|